أنا زعيم دولي، عميد الحكام العرب، ملك ملوك إفريقيا، وإمام المسلمين. من أنا ليُنتقد؟ من يجرؤ أن يضعني في ميزان المحاسبة؟ لا الله، لا الزمان، لا أحد... أنا من خلق ليبيا، وأنا من أفنيها إن شئت".
بهذا الغرور المفرط، تحدث إلى نفسه كمن يعيش في كوكبٍ آخر، كأن لا أحد يشبهه، وكأن ليبيا لا تستحقه.
خطاب الجنون: حين أعلن الحرب على شعبه
لم يكن القذافي يخفي جنونه، بل كان يعرضه في خطاباته أمام الملأ، وكأنه مفخرة. ففي 22 فبراير 2011، أطلّ على شعبه بخطاب مشؤوم من منزله في طرابلس، قال فيه جملته التي هزت العالم:
"لقد استلمت ليبيا وفيها ثلاثة ملايين، والآن فيها ستة ملايين، ومستعد لأعيدها كما استلمتها، سأقتل الثلاثة ملايين التي أنجبتها!"
لم تكن هذه زلة لسان، بل تعبير صادق عن ذهنية ترى الشعب عبئًا، والسلطة ملكًا شخصيًا. لقد هدد علنًا بإبادة شعبه، ونفذ تهديده لاحقًا عبر قصف المدن الثائرة، وتعذيب آلاف المعارضين، وخلق مشهد دموي لم تنسه ليبيا أبدًا.
من خيمة البداوة إلى قصر الذهب
وُلد معمر محمد عبد السلام القذافي يوم 7 يونيو 1942 في صحراء "سرت"، لأب بدوي فقير كان يعمل في رعي الإبل والأغنام، وأم لا تعرف القراءة أو الكتابة. عاش طفولة قاسية في خيمة بدوية لا تعرف الكهرباء ولا الماء النظيف، في بيئة صحراوية قاسية، حيث الحياة لا تعترف إلا بالأقوى.
كان الطفل معمر مختلفًا منذ صغره؛ طموحًا، حاد الذكاء، لكنه أيضًا متمرد، لا يحب القيود. التحق بالمدرسة الابتدائية في بلدة "سبها" جنوب ليبيا، حيث تعرّف لأول مرة على أفكار القومية العربية وبدأ يتأثر بشخصية جمال عبد الناصر، الذي أصبح قدوته ونموذجه الأعلى. كان يحتفظ بصورته، ويقلده في خطاباته، ويرا فيه "القائد الملهم" الذي يجب أن يسير على دربه.
رغم أصوله المتواضعة، نجح القذافي في دخول الكلية العسكرية في بنغازي، وهناك بدأ يشكّل نواة مجموعة سرية من الضباط الصغار الذين يتشاركون فكر "الضباط الأحرار" المصريين. كانوا يرون أن ليبيا تُدار من ملك فاسد (الملك إدريس)، وأن البلاد بحاجة إلى ثورة وطنية.
وفي فجر 1 سبتمبر 1969، وبينما كان الملك في زيارة علاجية إلى تركيا، قاد الملازم القذافي انقلابًا عسكريًا هادئًا، أطاح فيه بالنظام الملكي، وأعلن قيام "الجمهورية العربية الليبية". لم يكن في ذلك الوقت سوى شاب في السابعة والعشرين من عمره، لا خبرة سياسية لديه، ولا برنامج واضح، لكنه كان يمتلك شيئًا أخطر: الطموح غير المحدود، والثقة الجنونية بالنفس.
منذ اللحظة الأولى، بدأ يبني صورته كـ"قائد ثوري"، لا رئيس عادي. رفض كل المظاهر الرسمية، وظهر في الإعلام وهو يعيش في خيمة، يركب الخيل، يتحدث بلهجة بدوية، ويقدّم نفسه على أنه رجل الشعب. لكنه خلف الستار كان يرسّخ حكمًا ديكتاتوريًا شديد المركزية، يقصي كل من يعارضه، ويؤسس نظامًا لا مثيل له من حيث الفردية والهيمنة.
القبضة الحديدية: كيف سحق خصومه وصنع جهازه الأمني؟
بعد نجاح انقلاب 1 سبتمبر 1969، لم يضيع القذافي وقتًا في تثبيت أركان حكمه. بدأ منذ الأيام الأولى بتصفية خصومه بصمت، وشيّد جهازًا أمنياً استخباراتياً أشبه بالأخطبوط، امتدت أذرعه في كل قرية وكل حي وكل مؤسسة، وُلد ما بات يعرف لاحقًا بـ"اللجان الثورية".
كانت اللجان الثورية في الظاهر تمثل الشعب، لكنها في الحقيقة كانت أداة القذافي الأشد بطشًا، تُراقب، تُحقق، وتُعدم من تشاء، دون قضاء أو قانون. وبهذه اللجان، أنشأ نظامًا بوليسيًا لا يعرف الرحمة، يُعاقب حتى على الشك في الولاء.
أما خصومه من داخل الجيش، أو حتى من رفاقه في الثورة، فقد تمت تصفيتهم تدريجيًا. البعض وُضع في الإقامة الجبرية، والآخرون فرّوا خارج البلاد، ومنهم من اُغتيل في ظروف غامضة. لم يكن القذافي يقبل المنافسة، ولا يتحمّل فكرة وجود صوت ثانٍ إلى جانبه.
في عام 1975، حاول عدد من الضباط التمرد عليه، وكان بعضهم من "الضباط الأحرار" الذين شاركوه في الانقلاب. لكنه لم يتردد في سحقهم، وأمر بإعدامهم شنقًا، وتم عرض ذلك على التلفزيون الرسمي ليكون عبرة.
ولم يكتفِ بذلك، بل أطلق حملة دعائية واسعة وصف فيها المعارضين بـ"الخونة والكلاب"، وحوّل السجون الليبية إلى مسالخ، خصوصًا سجن أبوسليم الشهير، الذي شهد لاحقًا واحدة من أفظع المجازر في تاريخ ليبيا الحديث، حين تم قتل أكثر من 1200 سجين سياسي في ليلة واحدة عام 1996.
كانت سياسة القذافي تقوم على الخوف والترهيب، وكان حريصًا على أن لا يشعر أحد بالأمان. فالخطر في نظامه لم يكن يأتيك من عدو خارجي، بل من جارك، أو زميلك، أو حتى من ابنك، إذا شك في ولائك له.
هكذا، لم يكتفِ القذافي بانتزاع الحكم، بل سحق كل من شكّل أو قد يشكل تهديدًا له، وخلق دولة ترتكز بالكامل على شخصه، ورؤية واحدة لا تقبل الاختلاف، ولا التساؤل.
السياسة الخارجية: زعيم الثورات... أم راعي الفوضى؟
في الوقت الذي كانت فيه ليبيا ترزح تحت حكم الفرد الواحد، قرر القذافي أن يتوسع خارج الحدود. لم يكتفِ بالسيطرة على الداخل، بل أراد أن يُصدر "ثورته" إلى العالم. كان يرى نفسه قائداً للعرب، وأبًا للثوار في إفريقيا، ونبيًّا لعصر الجماهير.
في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، تحوّل القذافي إلى أحد أكبر ممولي الحركات المسلحة في العالم. لم يكن ذلك سرًا، بل فخرًا يردده في خطاباته. دعم حركات انفصالية وثورات يسارية وقومية، وأرسل أموالًا وسلاحًا إلى جماعات تمرد في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.
موّل جبهة البوليساريو في المغرب، دعم جيش تحرير السودان، سلّح متمردي أوغندا، وزوّد المتمردين في تشاد بالسلاح، بل وشارك شخصيًا في غزو تشاد، في حرب خاسرة جرّت ليبيا إلى عزلة دبلوماسية خانقة.
كما دعم تنظيم "الجيش الجمهوري الإيرلندي" في بريطانيا، وجماعات فلسطينية متطرفة، وهو ما دفع الغرب إلى وصفه بـ"راعي الإرهاب الدولي". وقد بلغ الأمر ذروته عندما اتُّهم نظامه بتفجير طائرة "بان آم 103" فوق مدينة لوكربي الإسكتلندية عام 1988، ما أدى إلى مقتل 270 شخصًا، وأدى ذلك إلى فرض عقوبات دولية خانقة على ليبيا.
لم يكن القذافي يرى هذه التحركات مغامرة، بل "رسالة ثورية". كان مقتنعًا بأنه يؤدي مهمة تحرير الشعوب من الاستعمار والإمبريالية، ويؤسس لنظام عالمي جديد تقوده الجماهير لا الرؤساء. لكن الحقيقة أن هذه السياسات تسببت في عزلة دولية طويلة، أفقرت البلاد، وأضرت بسمعتها، وأثارت غضب الدول الكبرى.
وكانت النهاية أن اضطر القذافي، تحت ضغط العقوبات، إلى تقديم تنازلات كبرى: دفع تعويضات لضحايا لوكربي، وفتح بلاده للتفتيش، وتخلى عن برنامجه النووي، في محاولة يائسة لاستعادة علاقاته بالعالم بعد سنوات من التمرد على النظام العالمي.
الكتاب الأخضر: فلسفة الزعيم التي أراد بها أن يعيد اختراع العالم
في عام 1975، خرج القذافي على العالم بكتاب غريب الأطوار، سمّاه "الكتاب الأخضر". لم يكن مجرد كتيّب سياسي، بل مشروعًا شخصيًا أراد من خلاله أن يؤسس لنظرية جديدة تدّعي التفوق على الديمقراطية الغربية والرأسمالية الشرقية. أطلق عليه "النظرية العالمية الثالثة"، وزعم أنها الخلاص الحقيقي للبشرية من الظلم والاستغلال.
احتوى الكتاب على ثلاثة فصول: الأول عن "السلطة الشعبية المباشرة" باعتبارها البديل عن نظام الانتخابات والأحزاب، والثاني عن الاقتصاد من خلال رؤية اشتراكية بدائية، والثالث عن قضايا اجتماعية كالمرأة والأسرة والحرية، بلغة أقرب إلى الموعظة منها إلى التحليل الفكري.
لكن ما إن يتعمق القارئ، حتى تتكشف له فوضى فكرية لا تخفى: شعارات متناقضة، أحكام شخصية مطلقة، وتنظيرات أقرب إلى الهوس منها إلى الفلسفة. فقد رفض القذافي الأحزاب والانتخابات، واعتبرها وسيلة "لخداع الشعوب"، واقترح بدلًا عنها المؤتمرات الشعبية التي لا تقرر في الواقع شيئًا إلا ما يريد هو.
كما اعتبر أن المرأة مكانها البيت، لأن العمل "يُفقدها أنوثتها"، متجاهلًا تناقضه الصارخ مع الواقع، حيث كانت حارسات قصره من النساء المدرّبات على القتال. وهاجم الصحافة الحرة مدّعيًا أن "كل فرد هو وسيلة إعلام"، بينما حوّل الإعلام إلى بوق شخصي، وجرّم أي صحافة مستقلة.
حتى الرياضة لم تسلم من جنون التنظير، إذ أعلن أن "الرياضة تُمارس ولا تُشاهد"، فقلّص من حضور الجماهير، وقيّد الأندية والبطولات، في تدخل سلطوي غريب في تفاصيل الحياة اليومية.
ورغم سخرية العالم من هذا الكتاب، كان القذافي يؤمن به حدّ الهوس. فَرَض تدريسه في المدارس والجامعات، وفرض قراءته على الموظفين، وتم طرد من تجرّأ على انتقاده من الأساتذة، وكأنه نص مقدّس. في زياراته الخارجية، وزّعه على الملوك والرؤساء كهدية كبرى، معتقدًا أنه يمنحهم مفاتيح الخلاص من "الاستعمار الفكري".
ورفض أن يُلقّب برئيس أو ملك، مفضّلًا تسميات غريبة مثل "قائد الثورة"، و"رمز الجماهيرية"، و"المرشد الأعلى". بلا منصب رسمي، لكنه يهيمن على كل شيء، من الاقتصاد إلى الإعلام إلى الملابس. لقد شيّد نظامًا يتظاهر بأن الشعب هو الحاكم، بينما لم يكن سوى انعكاس لرغبات رجل واحد، يرى نفسه مركز الوجود، ويصوغ الدولة على صورة جنونه.
تحليل نفسي لشخصية القذافي: بين النرجسية والاضطراب السيكوباثي
سنوات الحكم الطويلة، والسلطة المطلقة، ولّدت عند القذافي تحولات فكرية ونفسية عميقة. لقد انفصل عن الواقع، وبدأ يرى نفسه فوق الجميع، فوق الشعب، وفوق التاريخ، وفوق حتى القانون الإنساني. لم يكن مجرد ديكتاتور مستبد، بل حالة نفسية متكاملة تسير نحو الانفجار.
من الناحية النفسية، كان القذافي يُجسِّد كل ملامح الشخصية السيكوباتية المعادية للمجتمع. السيكوباثي لا يشعر بالذنب، ولا يملك تعاطفًا حقيقيًا، يتلذذ بالتحكم في الآخرين، ويرى نفسه مركز الكون. كل هذه الصفات اجتمعت في رجلٍ واحد، ثم تضخّمت بفعل المال، السلطة، وعُزلة الزعيم.
كان مهووسًا بذاته. خطبه لم تكن تواصلًا مع الشعب، بل كانت مونولوجات مطولة يتحدث فيها عن عظمته، ونظرياته، و"فهمه العميق" للعالم. لم يكن يسأل، لم يكن يستمع، بل فقط يُملي. حتى عندما تحدث في الأمم المتحدة عام 2009، لم يكن مهتمًا بالزمن المخصص له، بل ألقى خطابًا فوضويًا تجاوز الساعة ونصف، مزّق فيه ميثاق الأمم المتحدة على الهواء مباشرة. لم يكن هذا تمردًا، بل إعلانًا صريحًا بأنه فوق كل قانون.
أما الآخرون؟ لم يكونوا في نظره سوى أدوات أو أعداء.
من يعارضه هو "جرذ"، من ينتقده "مرتزق"، ومن يثور ضده "مدمن هلوسة". هذه اللغة ليست فقط عدائية، بل تدل على انفصالٍ تام عن الواقع، حيث لا يعترف بوجود معارضة شرعية أو مطالب شعبية، بل يفسر كل مقاومة على أنها مؤامرة ضد "القائد".
ملامحه الشخصية أيضًا كانت مسرحًا لهذا الاضطراب.
تأمل وجهه: الملامح الجامدة، الجيوب المنتفخة تحت العينين، الشعر المنكوش دائمًا، والحركات الغريبة التي يُقاطع بها كلامه... كل هذا كان انعكاسًا لقلق داخلي، وعقلية تعيش في حالة تأهب دائم، تشكّ في الجميع، وتثق في لا أحد إلا نفسها.
حتى ملابسه، التي كثيرًا ما أثارت السخرية في العالم، لم تكن مجرد استعراض.
كان يرتدي الأزياء البدوية ثم يظهر في اليوم التالي بلباس أفريقي تقليدي مزخرف، ثم يعود في مناسبة أخرى للزي العسكري مع نظارات سوداء في الليل. هذا التنقل الجنوني في الهُوية الظاهرة ليس عشوائيًا، بل سلوك نرجسي قهري يحاول به التأكيد على تفرّده: "أنا كل شيء: القائد، المفكر، الأب، الثائر، والملك."
لم يكتفِ بتغيير ملابسه، بل حاول تغيير التاريخ نفسه.
أطلق على نفسه ألقابًا لا حصر لها: "ملك ملوك إفريقيا"، "قائد الثورة"، "أمين القومية العربية"، و"إمام المسلمين". وعندما لم يجد ما يُرضي غروره، ألف لنفسه كتابًا أسماه الكتاب الأخضر، وفرض تدريسه على الأطفال، ووزّعه قهرًا على الجامعات، وكأنه توراة جديدة.
كل هذه الأعراض تدل على حالة نادرة من الهوس العَظمي (Megalomania)، وهي من السمات الأساسية في الشخصية السيكوباتية، خاصة حين تقترن بالسلطة.
النهاية..
بدأ حياته في خيمة مهترئة وسط صحراء سرت، طفل نحيل لا يملك شيئًا، يراقب قطيع الإبل ويحدّق في الأفق البعيد. كان الحلم وقتها بسيطًا: أن يكون شيئًا، أن يصير أحدًا، أن يملأ فراغًا في داخله ما عرف كيف يسدّه. لكنه لم يكتفِ بأن يصير رجلاً عادياً، أراد أن يكون نبيًا، زعيمًا، رسولًا لعصرٍ جديد، حتى لو كان ذلك على حساب الحقيقة والعقل والشعب.
وفي تلك الرحلة الطويلة، لم يصعد القذافي سلم المجد، بل صعد سُلّم الوهم. كان يبحث طوال حياته عن السيطرة ليشعر بالأمان، وعن الزعامة ليغطي جرحًا دفينًا في نفسه. لم يحتمل أن يُعارض، لأن داخله هشّ، هشّ جدًا. لم يكن "قويًا"، بل خائفًا يرتدي قناع القوة.
كل تهديد، كل صرخة، كل شتيمة في خطاباته، كانت صدى لخوفه العميق من فقدان السيطرة، من العودة إلى ما كان: ذلك الطفل الصغير في الصحراء.
نرجسيته دفعته لتقديس نفسه، وهلاوسه العظمى جعلته يخلط بين الوطن والذات، حتى صار يعتقد أن سقوطه هو سقوط ليبيا كلها، وأن موته يعني فناء الأمة.
لكنه لم يمت في قصره الذهبي، ولا على منصة عسكرية، بل في أنبوب صرف صحي، مختبئًا، منكسرًا، يهمس للمقاتلين الذين أمضى عمره في قمعهم:
"من فضلك لا تطلق النار..."
كان ذلك المشهد الأخير هو اختزالٌ لحياة كاملة من الانفصام النفسي، والجنون المقنّع بالسلطة، والضعف المتنكّر في عباءة العظمة. مات كما عاش: وحيدًا، متوهّمًا، مفصولًا عن الواقع.
وهكذا انتهى رجلٌ ظن نفسه إلهًا، فعاد ترابًا يُداس، وجثةً تُعرض في ثلاجة، في وطنٍ كان يومًا كله تحت قدميه.
ما قرأته ليس حكاية رجل مجنون فقط، بل حكاية أمة
سمحت له أن يكون كل شيء.
التاريخ لا يكتبه المنتصرون فقط، بل يكتبه الصامتون حين يدفعون الثمن.
فلننتبه: كل سلطة بلا رقيب، قد تصنع في يومٍ ما قذافيًا جديدًا… في زيّ مختلف، وباسم جديد
« من فضلك لا تطلق النار » لم تقل بهذه الطريق لم تكن نهاية تختزل الفصام ولا أي مما قلته.. كانت نهاية توضح اتفاق أكثر من أربع وعشرون دولة على دولة عظيمة مخططاتها السياسة والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ستتصدر في القائمة.. كانت نهاية ترسم قدرة الفتن على إشعال الحروب وتشتيت الجمع وضالة التاريخ لم يقلها هكذا.. لسنا مع هذه النهاية نهاية لا ترضي الرسول فلماذا ترضينا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم « ارحموا عزيز قوم ذل » كانت هذه وصيّة من رسولنا الكريم
مافعل به لا يشرف لا يعاد ولا يذكر، لم يمت جبانًا لم يهرب ورسالته لعائشة مازالت موجودة.. لم يترجمهم بل قال « ليه عليكم يا أولادي » ليس بالصورة التي صورتها عنه.. أقلها لا تشوهوا حتى نهايته ولا تبرروا التخاذل والخيانة بحجة أنّه متغطرس.. إن كنتم ستكتبون عنه فأعطوا كل شيءٍ فيه حقه ولا تتجاهلوا إن الدماء التي سفكت بعده تلطخت به أربع وعشرون يدًا..
قال أيضًا « أيها الشعب الليبي العظيم » وهكذا نحن..
تصوير تمزيقه لميثاق الأمم المتحدة على أنه جنون وفعل يقصد به أنه فوق القانون فيه كثير المبالغة… حقيقة المقال بأكمله مليء بالمبالغة معمر القذافي رئيس دولة ورجل سياسي ولا يستطيع الجميع الكتابة عن السياسة وتحليل التاريخ ونفيه وتفسيره حسب وجهة نظره
أربعون عامًا ليست قليلة، أربعون عامًا وإن شوهت لن ينفى كونها جزءًا من تاريخ الدولة أحد.. ومعمر القذافي ليس الوحيد الذي تغطرس في آخر أيامه أغلب رؤساء الدول كذلك ولكن هل يجرأ أحد عن الكتابة عنهم.. الفتنة التي اشتعلت في ليبيا واضطراب الشعب اتجاه رئيسهم والصورة السلبية التي رسمت عنهم في أعين العالم اغتصبت حقهم في الدفاع عنه.. ولكنه كان هنا يومًا ما.. وبطريقة أو آخرى خلّد اسمه
لا أرى فيه ما تقولونه عنه، لا أرى فيه رجلا ديكتاتوريًا ومتغطرسًا ومجنونا ومهوسًا.. لطالما شعرت أني ولدت وأنا أحبه لا لسبب بعينه بل لأنه هو فقط.. وهذا لا يقودني لتغاضي عن أخطائه أو حتى تبريرها ولكنّي لم أستطع يوما تقبل كل هذه الكراهية والطعن فيه.. لازلت وسأبقى أغضب وأحزن عندما أسمع كل هذا عنه غضبًا منه ومنهم وحزنًا عليها وعلينا..
في النهاية هناك الكثير ليقال عنه أكثر من هذا من جميع النواحي.. هذا رجلٌ لا يسعه مقال غفر الله له ورحمه